الحياة الشخصية خط أحمر لا يجب الخوض فيها أو التعرض لها، ولكن بالنسبة
للشخصيات العامة قد تكون الحياة الخاصة هي الضوء الأحمر لكشف نقاط الضعف.
لم أصدم كثيرا بقرار عماد متعب مهاجم مصر باعتزال اللعب الدولي لأنه حر
فيما يتخذه من قرارات ولكنني تعجبت من أسبابه وتبريرات مؤيديه.
متعب استند في قراره على نقطتين هما "الهجوم الساخر عليه بسبب إضاعته
للفرص السهلة" ويراه غير مستحق ومتحامل بشدة، وهو ما رد عليه الزميل أحمد
عز الدين في مقاله "نكتة متعب".
أما النقطة التي استند عليها
مؤيدوه ولكن قد يكون متعب لم يرغب في الإفصاح عنها هي "تدخل المنتقدين في
حياة اللاعب الخاصة والتعرض لحياته الشخصية وزوجته" وهو ما أراه عذر أقبح
من ذنب.
فعندما يقرر النجم الارتباط بشخصية مشهورة سواء فنية أو
أدبية أو حتى رياضية عليه أن يتوقع أن الأضواء ستكون مسلطة عليهما بشكل
أكبر بحكم ترقب الناس لحياة المشاهير حول العالم.
ومن الطبيعي أن
تربط الجماهير بين أداء اللاعب وحياته الخاصة بصورة ساخرة كرد فعل طبيعي
على رغبة الناس في المرح والابتسامة في لحظات الإحباط والحزن.
فجماهير ريال مدريد ظلت تهتف (واكا واكا) لمدافع برشلونة جيرارد بيكيه خلال
مباراة الكلاسيكو الأخيرة في إشارة إلى الأغنية المشهورة لصديقته المغنية
شاكيرا مع كل ترقيصة لكريستيانو رونالدو.
وصحيفة (ذا صن) تصدرت
صفحاتها عنوان "أشلي مش وحيد" عقب خروج إنجلترا من يورو 2012 الأخيرة بعد
إهدار الثنائي أشلي كول وأشلي يونج لركلتي ترجيح في إسقاط على انفصال
المغنية الشهيرة شيريل كول عن زوجها أشلي قبل البطولة.
بل وقد صرح السير أليكس فيرجسون المدير الفني لمانشستر يونايتد عقب خلافه
مع ديفيد بيكام نجم الفريق في التسعينات قائلا "يجب ألا يضم فريقي لاعب
تحركه زوجته" بعدما تزوج النجم من فيكتوريا نجمة فريق سبايس جيرلز.
أعلم ما يدور في ذهنك الآن صديقي القارئ، وأعلم أنك تقول ولكننا في مجتمع
شرقي لا يقبل الحديث عن الأعراض والزوجات ونقدس الحياة الزوجية، ولكن
السخرية من متعب كانت على مستواه الفني في الأساس وليس من زواجه.
فمتعب مرتبط بزوجته منذ أكثر من عام وطالما كان محل حب وتقدير الجماهير
عندما تألق في المباريات، وكان أيضا محل انتقاد وسخرية عندما أخفق فنيا قبل
زواجه لأنه أمر طبيعيا.
عندما يقرر النجم الارتباط بشخصية
مشهورة سواء فنية أو رياضية عليه أن يتوقع أن الأضواء ستكون مسلطة عليهما
بشكل أكبر بحكم ترقب الناس لحياة المشاهير حول العالم.
كما أريد أن
أذكرك أن متعب نفسه يفقد أعصابه عند الانتقاد بسبب تراجع مستواه الفني وليس
بسبب التدخل في حياته الخاصة كما يدعي بعض المبررين.
فدعونا
نتذكر أن جماهير الزمالك هاجمت متعب بقسوة في إحدى مباريات القمة بل
وتطاولت على حياته الخاصة وزوجته ولكنه خاض المباراة بهدوء وقدم أداء جيدا
وساعد فريقه على التتويج بالدوري بالتعادل 2-2.
ولكنه في واقعة
أخرى وقبل أربعة أعوام خلال مباراة مصر ومويتانيا الودية قبل كأس الأمم
الإفريقية 2008 وبعدما أهدر العديد من الفرص السهلة فقد اعصابه وأشار إلى
الجماهير على حذائه بعدما هتفوا "روح يا متعب".
إذن فالمهاجم
الدولي هداف الجيل الحالي في مختلف المراحل العمرية يتأثر نفسيا من
الانتقادات عندما يتراجع مستواه الفني وليس بسبب الأشياء الأخرى التي من
المفترض أنه مستعد نفسيا لمواجهتها.
على متعب أن يمتلك المزيد من
الخبرة في التعامل مع الانتقادات ولا يترك أذنه للجماهير أو يخصص من وقته
لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة الصور الساخرة منه.
وعليه أن يعلم أن الحياة لا تتوقف عنده، ولكن جميع من يعمل في العمل العام
في مصر والعالم هو جزء من هذه "الحفلات" الساخرة لبعض الوقت، ولعل ما يحدث
مع السياسيين في مصر الآن خير مثال.
فإذا كان متعب اتخذ قراره
بالاعتزال الدولي لأنه لم يعد يتحمل النقد، فمن يضمن له ألا يتعرض لمثلها
في مباريات الأهلي المحلية أو الإفريقية أم عندها سيقرر الاعتزال أيضا.
وإذا كان حل الهجوم على الحياة الخاصة هو الاعتزال، فعلى أي لاعب تسب
والدته أيضا أن يعتزل لأن بالقطع قيمة الأم تفوق أو تتساوى مع ما تمثله
الزوجة.
الاعتزال مثل الانسحاب قرار يرجح أن صاحبه فضل عدم
المواجهة وهو ما لا يصلح لرياضي يعلم المعنى الحقيقي لـ"الفوز والهزيمة"
أما حجة التدخل في الحياة الشخصية فعليه أن يفهم أنها طبيعية لما يتمتع به
هو وزوجته من مكانة في الأوساط الإعلامية.
فإذا كان متعب نفسه تزوج الشهرة فعليه أن يستمر في دفع مهر النجومية.
ملحوظة أخيرة:
في الغرفة المجاورة لمتعب يقيم لاعب طالته الانتقادات من كل جانب عبر
سنوات ولكنه صمت ورد في الملعب ليظل الأسطورة الحية التي سنحكي عنها
لأبناءنا وأحفادنا.. محمد أبو تريكة.